-->

الشباب التونسي و الوطنية بقلم الأستاذ طاهر بن حسين

الشباب التونسي والوطنية


لا يكاد يخلو حديث عن الشباب التونسي اليوم من اتهامه بفقدان الوطنية وبالسلوك اللاوطني. ويفسّر بعضهم اعتناق بعض الشباب للفكر التكفيري الارهابي والقيام بأعمال ارهابية داخل او خارج التراب الوطني بفقدان الوطنية.

ولسائل أن يتساءل أولا عن معنى الوطنية في عصر العولمة، خاصة وأن غالبية شباب اليوم لم يعرفوا الاستعمار المباشر ولم يكونوا يوما في مواجهته على غرار أبائنا وأجدادنا.

المعنى المتداول للوطنية هو التعلّق العاطفي بوطن والاستعداد للدفاع عنه عندما يكون مهددا او على الاقل الشعور بواجب خدمته بشكل تطوّعي وتلقائي عند الحاجة. وبهذا المعنى قد لا يكون الشباب التونسي في غالبيته في قمّة الوطنية.

ولكن علينا أن نتساءل هل أن اختزال الوطن في قطعة الارض التي ولدنا وتربينا فيها يكفي لتعريفه. فالجنزال سعد الدين الشاذلي مثلا، وهو بطل العبور في حرب اكتوبر 1973، والذي انتهى به المطاف الى اللجوء في الجزائر اثر خلافه مع الرئيس الراحل أنور السادات، أجاب صحفيا كان يسأله عن تحمّله فراق وطنه مصر بأن "الوطن هو الذي يعيش فيه محترما".
 لقد قرأت هذا الحديث الصحفي في السبعينات من القرن الماضي وبقي في ذاكرتي الى اليوم ولا زلت أفكّر في معانيه وأتساءل كلما أتذكره عما اذا كان الجنزل سعدالدين الشاذلي على حق او على باطل.

كما أني استعيد ذكريات احدى سفراتي الى مدينة القصرين سنتين فقط بعد انتفاضة 2011 وحديثي مع مجموعة من الشبان التقيتهم في مقهى من مقاهي وسط المدينة حيث دار بيننا حديث طويل شمل موضوع الوطن والوطنية. وكنت مصدوما أشد الصدمة خلال هذا الحديث مما سمعته من شاب لا يتجاوز الخمسة والعشرين من العمر ولكنه يحمل في كلامه يأس عقود لا تعد. فلقد تحداني هذا الشاب بسخرية قائلا  : عن أي وطن تتحدّت؟ عن هذه الارض التي لم نر فيها منذ نشأتنا سوى الفقر والظلم والاحتقار والبطالة؟ أتريدني أن أدافع عن هذا؟ هذا كل ما أملك في ما تسمّيه وطنا.
فهل يمكن لعاقل أن يتهم الجنرال سعد الدين الشاذلي باللاوطنية او أن يتهم هذا الشاب العاطل المظلوم والمقهور باللاوطنية؟ لا أعتقد. ولكنه لا يمكن في نفس الوقت أن نقبل ببقاء جزء هام من شبابنا خارج الشعور بالانتماء لوطن يستحق الدفاع عنه والتضحية من أجله. والحلّ ليس في توعية هؤلاء الشباب بقيمة الوطن لانه من العبث ان تقنع الجوعان بأن الجوع من قدره وعليه ليس فقط أن يتحمله بل أن يثمّن قيمته.

الحلّ هو في ربط مفهومنا للوطنية وللوطن بالعمل من أجل مجموعة من المؤسسات التي تضمن احترام اصواتنا في الانتخاباب وحرية تواصلنا مع بعضنا كمواطنين وتوفّر الخدمات الصحية التي نحتاجها و المدرسة العمومية لابنائنا ومنظومة الانتاج الوطنية لكي لا نضطر للهجرة لكسب الرزق والتي تقضي على الفساد والفاسدين لانهم هم اعداء الوطن وهم الذين يدفعون الشباب الى الهجرة وهم الذين يدمرون المؤسسات العمومية والخدمات الاجتماعية.

بهذه الطريقة نكون قد عزّزنا الحسّ الوطني بكل انجاز حققناه من أجل هذه الاهداف.    


شارك الموضوع:

Related Posts